دبي، 19 أبريل 2014، نهاد الجريري، أخبار الآن –

نقاط رئيسة:
•       كلمة الظواهري “الواقع بين الألم والأمل” سُجلت في 16 فبراير 2014
•       كان ثمة اتفاق يقضي بعدم الإعلان عن وجود القاعدة في سوريا والبغدادي أخلّ بالاتفاق
•       الظواهري يدعو إلى حشد تأييد شعبي وراء الجهاديين
•       الظواهري يحذر ممن يصف جبهة النصرة بأنها مؤلفة من السوريين فقط
•       الظواهري يعتبر أن داعش مخترقة من جهات معادية للجهاد
•       الظواهري يعتبر أن جهاديين في سوريا يسعون للألقاب والسلطة
•       الظواهري ينفي أنه أجرى مراجعة فكرية

وإن كانت ملائمة جداً، إلا أن كلمة الظواهري التي نُشرت اليوم 19 أبريل 2014 لم تكن حديثة التسجيل. أغلب الظن أنها سُجلت في تاريخ 16 فبراير 2014 أو بعد هذا التاريخ بيوم أو اثنين بالنظر إلى الأسئلة التي طرحها المحاور خاصة عندما أشار إلى أن الأسئلة كانت معدة مسبقاً لكن أمراً طرأ يتعلق بتصريحات لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وهذا التصريحات كانت في 16 فبراير 2014.
كما أن هذا اللقاء الذي قدمته مؤسسة السحاب على أنه السابع من سلسلة لقاءات مع الظواهري لم يتطرق إلى مقتل أبي خالد السوري، مبعوث الظواهري إلى سوريا، في نهاية فبراير؛ والذي كان مقتله مفصلاً مهماً في العلاقة بين داعش والقاعدة؛ بين البغدادي (زعيم داعش) والظواهري (زعيم القاعدة).
لكن مرة أخرى ما قاله الظواهري كان ملائماً جداً لما يحدث اليوم مع تسارع وتيرة الاقتتال بين طرفي القاعدة في سوريا: داعش والنصرة. فلم يكن مستغرباً أن عده الكثيرون من أنصار القاعدة على تويتر رداً على كلمة الناطق باسم داعش، العدناني، التي بُثت قبل يومين تحت عنوان: “ما كان هذا منهجنا ولن يكون؛” أو حتى رداً على طلب منظّري القاعدة (11 أبريل 2014) بأن يوضح الظواهري حقيقة الخلاف مع داعش.

الواقع بين الألم والأمل
اللقاء الذي نُشر تحت عنوان “الواقع بني الألم والأمل”، امتد ساعة و16 دقيقة. كان منها ربع ساعة فقط عن “الشام” والاقتتال الدائر هناك بين “المجموعات الجهادية”. معظم اللقاء كان عن مصر والسيسي والسفليين؛ وعن حالة الدول العربية الأخرى مثل اليمن والجزائر وتونس. في الربع ساعة السورية، لم يأت اللقاء على ذكر جبهة النصرة أو الدولة الإسلامية في العراق والشام ولا مرة. الظواهري ذكر الجولاني والبغدادي مرة واحدة فقط في معرض نصحه “المجاهدين” بأن لا يطيعوا أميرهم إن أمر بالاعتداء على أقرانهم.
في هذه الخمس عشرة دقيقة، هدد الظواهري ضمناً بنزع الشرعية عن داعش،  ووصف ما يحدث في “الشام” بأنه “غلبة الهوى والجهل والظلم على البعض،” ولم يستبعد وجود “اختراق معاد للجهاد وسط المجاهدين،” وفصّل الخلاف بينه وبين داعش في نقطتين الأولى منهجية تتعلق باختلاف في الرؤية إلى الجهاد والثانية تقنية تتعلق بالصلاحيات الإدارية. كان لافتاً جداً ما قاله عن قرار مُسبق بعدم الإعلان عن وجود القاعدة في سوريا وأن ما فعله البغدادي كان إخلالاً بهذا الاتفاق.
كان مهماً جداً أيضاً اعترافه بأن من الجهاديين من انخرط في نزاعات “على السلطات والألقاب والمناصب،” ورفضه “للعمليات” التي “تنفّر الأمة”، وتحديد “الجهاد” بأهداف “هُبَل العصر: أمريكا وحلفائها الصليبيين والصهيونيين والعملاء الخونة.” كما أشار في أكثر من موقع إلى “الرأي العام” بين المسلمين وأهمية “حشد الأمة” وراء الجهاديين من أجل تحقيق أهدافهم.
فهل أجرى الظواهري مراجعة فكرية؟ سُئل السؤال ورد مع ما بدا ابتسامة عريضة لا تخلو من تردد وقال “لا أتصور.”

أبرز ما قاله الظواهري
في الكلمات اللاحقة التي وجهها الظواهري لداعش وللجهاديين في سوريا، بدا الظواهري أكثر حدة خاصة في كلمته التي رثى فيها أبا خالد السوري في شهر مارس. لكن في هذا اللقاء المرجح تسجيله في منتصف فبراير، كان الظواهري لا يزال يلتمس العذر لمنتسبي داعش ويخاطبهم خطاب القائد ربما محاولاً ترك الباب مفتوحاً لعودتهم إلى الحظيرة. فيقول عن “الاقتتال بين الجماعات الجهادية” إنه جاء نتيجة “غلبة الهوى والجهل والظلم على البعض” لكن “المجاهد ليس معصوماً … بل قد يرتكب ما يُفسد عليه جهاده ويحوله من جهاد في سبيل الله إلى جهاد في سبيل الدنيا والشهوة.”
وفيما تبدو أنها محاولة أخرى لضرب قيادات داعش ونفي صفة “الجهاد” عنهم واتهامهم ليس فقط بالانحراف الفكري وإنما بالعمالة، قال الظواهري: “ولا أستبعد وجود اختراق معاد للجهاد وسط المجاهدين. ليس بالضرورة أن يكون تجسسياً استخباراتياً، بل ناعماً مخادعاً في صورة نصيحة غير سديدة أو إثارة تحرش بين المجاهدين أو دعم مالي للاستمرار في خط خاطئ … حتى يبيد المجاهدون بعضهم بعضاً ويحققوا للنظام بأيديهم ما لم يستطع تحقيقه.”
ثم يدعو إلى تكوين “رأي عام بين المسلمين” ضد من لا يلتزم بآلية ومخرجات تحكيم شرعي مستقل في اقتتال الجهاديين في سوريا.

الشرعية
ومن منطلق هذا الرأي العام الإسلامي؛ وهذا مفهوم نادر في أدبيات القاعدة؛ يهدد الظواهري ضمناً بأن نزع الشرعية عن داعش ستضمن نهاية التنظيم. ويقول: “في الجزائر، نُزعت الشرعية عن الجماعة الإسلامية المسلحة، فانتهت. وفي أفغانستان، نُزعت الشرعية عن الفصائل المسلحة بعد انسحاب الروس، فانتهت. وفي المقابل، عندما منحت الأمة الشرعية لحركة طالبان، انتصرت.” السؤال هنا: كيف يُعرف الظواهري “الأمة”؟

لا تُطع أميرك
في توجيه غريب، يقول الظواهري إنّ “أمرَ أميرك لا يعفيك من المسؤولية؛ لا الظواهري والجولاني ولا الحموي البغدادي سيحمونك من عقوبة الله إذا اعتديت على إخوانك المجاهدين … إذا أمرك أميرك بالاعتداء على إخوتك المجاهدين فلا تطعه واطلب منه إرسالك إلى الخطوط والثغور التي تواجه فيها العدو البعثي المجرم وحلفاءه الصفويين … فقد نفرت إلى الشام من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا … فلا تضل طريقك ولا تفقد وجهتك واحذر أن يستخدمك بعض القادة في نزاعاتهم على السلطات والألقاب والمناصب.”

جبهة النصرة
لم يذكر الظواهري جبهة النصرة ولا مرة في لقائه هذا. لكنه ألمح إليها عندما حذر من “العلمانيين” الذين يريدون “أن يثيروا فتنة” على حساب المقاتلين الأجانب أو “المهاجرين … بحجة أننا سوريون وهؤلاء غير سوريين.” وعلى الأرجح أنه يشير إلى بعض السوريين المعارضين الموالين أو المؤيدين للنصرة على أساس أنها جماعة تتألف من سوريين، أو من أبناء البلد؛ بخلاف داعش الذين أتوا ويأتون من خارج حدود سوريا. ما يقوله الظواهري في هذه الجزئية تحديداً يؤكد أن أجندة القاعدة هي واحدة باختلاف المسميات وباختلاف الجنسيات. هو إرهاب عابر للإثنيات. والأخطر من هذا أن ثمة تخطيط وراء الهيكلة والتكوين ضمن القواعد، وهو ما يشير إليه الظواهري لاحقا في كلمته، أو بالأحرى في الربع ساعة التي خصصها للحديث عن سوريا، عندما قال إن داعش خالفت أمراً واتفاقاً بإخفاء وجود القاعدة في سوريا.

الخلاف بين البغدادي والظواهري
يُسأل الظواهري عن دواعي بيان “أخير” للقيادة العامة يتنصل من “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، فيرد في نقطتين:
“الاختلاف بين منهجين: منهجنا هو التركيز على هُبَل العصر: أمريكا وحلفائها الصليبيين والصهيونيين والعملاء الخونة وحشد الأمة وتحريضها ضدهم وترك المعارك الجانبية … الاحتياط في الدماء وتجنب العمليات التي تسفك فيها الدماء بغير حق في الأسواق والمساجد والأحياء السكنية بل وبين الجماعات المجاهدة.” وهنا يشير إلى كلمات في هذا الشأن صدّرها كبار القاعدة في الماضي وعلى رأسهم بن لادن؛ وكأنه يريد أن يقول إنه لم يأت بجديد وربما يُمهد إلى أنه لم يقم بأي مراجعات فكرية لنهج القاعدة.
ويضيف هنا: “منهجنا هو توحيد الأمة حول كلمة التوحيد والعمل على عودة الخلافة الراشدة التي تقوم على الشورى … فلا يمكن أن نجمع الأمة إذا كانت صورتها هي صورة المتسلط عليها، المغتصب لحقوقها، أو المعتدي عليها والقاهر لها.”
وهذا هو بالضبط النهج الذي ابتكره أبو مصعب السوري صاحب استراتيجية “كسب العقول والقلوب” في المناطق التي تخضع للقاعدة. أبو مصعب السوري من قيادات القاعدة المخضرمين وله حظوة باعتباره كيميائياً وخبير متفجرات وباعتباره باحثاً ومتفقهاً. على الأرجح أنه سجين لدى النظام السوري. وأتى الظواهري على ذكره لاحقاً في خطاب رثاء أبي خالد السوري. وكان اختياره لذكر هذا الرجل بما يخدم استراتيجيته في حشد علماء وازنين حول قراراته المتعلقة بداعش.

نقطة الخلاف الثانية مع داعش هي تقنية إدارية ولكن استراتيجية يجب أن تتنبه لها المعارضة السورية. يقول الظواهري: “عدم الالتزام بأصول العمل الجماعي … مثل إعلان دول دون استئذان ولا حتى إخطار … حيث كان التوجه من القيادة العامة ألّا نعلن وجود علني للقاعدة في الشام وكان هذا محل اتفاق مع الأخوة في العراق. وفوجئنا بالإعلان الذي وفر للنظام السوري وأمريكا فرصة كانوا يتمنونها … ثم جعل العوام من أهل الشام يتساءلون مالِ هذه القاعدة تجلب الكوارث علينا؛ ألا يكفينا بشار والأمريكان؟!”
وهنا سؤالان: هل المعارضة السورية التي تقاتل الآن إلى جانب جبهة النصرة تعي هذا الكلام؟ تعي أن للقاعدة استراتيجية في سوريا تفوق استراتيجيتهم، إن وجدت؟ وهل يعون أن النصرة هي قاعدة بكل المقاييس وأن التوافق معها ولو مرحلياً لن يكون في صالحهم على المدى القريب أو البعيد؟
والسؤال الثاني: إذا كان إعلان وجود داعش وفر فرصة للنظام كما يقول الظواهري، فكيف كان الاختراق “المعادي للجهاد” الذي تحدث عنه آنفاً؛ ومتى؟

الظواهري والمراجعة الفكرية
ما قاله الظواهري عن حشد التأييد الشعبي للقاعدة، وحتى عدم تنفير المجتمع من “العمليات” العسكرية؛ وعن عدم سفك الدماء في الأسواق والأحياء السكنية، كلام يتسق مع ما ذهب إليه قادة مخضرمون تركوا القاعدة لأجل هذه الأسباب مثل أبو حفص الموريتاني و إمام سيد شريف. الاثنان اعترضا على الدمار الذي جلبته القاعدة للمدنيين الآمنين سواء في أفغانستان أو دار السلام أو حتى نيويورك. فهل أجرى الظواهري مراجعة فكرية على نفس النسق؟
الظواهري يقول: “رضا الناس غاية لا تُدرك. والقرارات المصيرية تُتخذ بعد تشاور واتفاق. ولا أتصور أنني غيرت منهجي.”
وهذا جواب غير حاسم لا يعطي كثيراً من المصداقية لما تقدم به. فإن هو غيّر منهجه فيجب أن يحشد حوله من يؤيده من كبار علماء القاعدة ممن يحظون بالاحترام بين صفوف القواعد الصغرى. وإن هو لم يغير منهجه، فما جاء أعلاه هو مجرد تكتيك آني مؤقت. وفي كل الأحول، كثير مما جاء في كلام الظواهري كان مغرياً للبعض حتى ممن يخالفون القاعدة عقيدة ومنهجاً بأن ثمة رغبة في التخلي عن العنف والقتل. لكن وبغض النظر عمّا إذا كان الظواهري أجرى مراجعاته الفكرية أم لا، فمن الواضح أنه لم يعد يتمتع بقليل السلطة ما يمكنه من فرض قراراته. فالقواعد المتشعبة صارت أكثر تعطشاً للدم وأكثر تطرفاً وأكثر تنوعاً إثنياً؛ وصار لها أجهزتها الإعلامية ومشايخها وعلماؤها ممن يمنحون الفتاوى وصكوك الغفران. فعن أي “أمل” يتحدث الظواهري هنا؟